بيئة طاردة للشباب.. مناطق نبع السلام تئن تحت وطأة الفقر وانعدام الأمن
بيئة طاردة للشباب.. مناطق نبع السلام تئن تحت وطأة الفقر وانعدام الأمن
تشهد مناطق نبع السلام في ريفي رأس العين وتل أبيض منذ سنوات تدهوراً متزايداً في مختلف مناحي الحياة، مما جعل السكان يعيشون في بيئة طاردة، خاصة الشباب الذين يجدون أنفسهم أمام خيار الهجرة كضرورة للبقاء، فمنذ السيطرة التركية والفصائل الموالية لها على هذه المناطق السورية عقب عملية نبع السلام في أكتوبر 2019، لم تتمكن السلطات المسيطرة من فرض الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي أو الأمني، ما أسهم في تفاقم المعاناة الإنسانية.
أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له اليوم الأحد أن الأزمة المعيشية تتجلى بشكل واضح في انخفاض الأجور إلى مستويات لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، إذ لا تتجاوز رواتب الموظفين المدنيين والعناصر الشرطية 125 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ فقد قيمته الفعلية مع الارتفاع الكبير في الأسعار وتفاقم التضخم، كما أن تأخر صرف هذه الرواتب لعدة أشهر يزيد من معاناة السكان ويضع المنطقة أمام استحقاقات اجتماعية وإنسانية عاجلة.
وفي ظل هذه الأوضاع، يعاني السكان من صعوبة الحصول على المواد الأساسية، نتيجة العزلة الجغرافية التي فرضتها عمليات إغلاق الطرق الحيوية وضعف حركة المعابر، ما أثر بشكل مباشر على وصول المساعدات والإمدادات الضرورية، ووصف أحد أبناء تل أبيض الوضع القائم بأنه حصار فعلي غير معلن، مشيراً إلى أن بعض العائلات عاجزة عن تأمين قوت يومها، وهو مؤشر غير مسبوق على تدهور الأمن الغذائي في المنطقة.
واقع أمني هش وانتشار الفوضى
التدهور الأمني يمثل أحد أبرز المشكلات في مناطق نبع السلام، حيث تشهد انفلاتاً أمنياً واسع النطاق، فانتشار السلاح بين الميليشيات المختلفة، وتعدد الجهات المسلحة، وارتفاع معدلات السرقات والخطف والاعتداءات، كلها عوامل ساهمت في تعميق شعور السكان بالخوف وعدم الاستقرار، ويضاف إلى ذلك ضعف المنظومة الشرطية وغياب المساءلة، ما يجعل المواطنين يعيشون في بيئة غير آمنة ويضطرون إلى مغادرة مناطقهم، حفاظاً على حياتهم وممتلكاتهم.
ويشير السكان إلى أن استمرار هذا الوضع يفاقم الإحباط ويؤدي إلى نزيف بشري متواصل، خاصة بين الشباب الذين يشكلون فئة كبيرة من السكان القادرين على العمل والنشاط الاقتصادي، لكنهم يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة للغاية أو مضطرين إلى الهجرة.
فساد إداري وتفكك مؤسساتي
الأزمة في نبع السلام لا تقتصر على النواحي المعيشية والأمنية فقط، بل تشمل بنية المؤسسات المدنية والخدمية نفسها، تعاني الإدارات المحلية من فساد مالي وإداري مستشري، مستفيداً من غياب الرقابة الفاعلة وتداخل السلطات بين الجهات العسكرية والمدنية.
هذا الخلل البنيوي انعكس على سوق العمل، حيث تدنت أجور العمالة اليومية وتلاشت فرص العمل المستقرة، ما أدى إلى نزيف مستمر للكفاءات المحلية، وقد نتج عن ذلك مؤسسات هشة غير قادرة على تقديم خدمات مستدامة، وتعاني من ضعف التمويل وسوء الإدارة، الأمر الذي عمّق حالة الإحباط العام وأسهم في تفريغ المنطقة من طاقاتها البشرية.
ويرى الأهالي أن استمرار هذا الواقع من دون معالجات حقيقية ينذر بتفاقم الانهيار الاجتماعي وتسارع وتيرة الهجرة، خاصة بين الشباب. وتبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة سياسات الأجور بما يتناسب مع مستويات التضخم، إلى جانب اتخاذ خطوات فعالة للحد من الفساد المالي والإداري.
عزلة جغرافية تعمق الأزمة الإنسانية
تفاقمت الأزمة بسبب العزلة الجغرافية الخانقة التي تعانيها مناطق نبع السلام، إذ أدت إغلاق الطرق الرئيسية وضعف حركة المعابر إلى صعوبة وصول المواد الأساسية والإمدادات الإنسانية، كما أن هذه العزلة ساهمت في تفاقم الفقر والبطالة، وحرمت السكان من فرص العمل المنتظمة والمستقرة، ما دفع العديد من العائلات إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية المحدودة في بعض الحالات.
ويشير السكان إلى أن فتح الطرق والمعابر وتسهيل حركة التجارة وتوفير المساعدات الإنسانية يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لتحسين الوضع المعيشي وإعادة الثقة بين السكان والسلطات المسيطرة.
مستقبل المنطقة والهجرة القسرية
في ظل استمرار التدهور الأمني والمعيشي، تظل مناطق نبع السلام عالقة في دائرة من الفوضى، مما يدفع السكان إلى البحث عن فرص النجاة خارج حدود المنطقة، ومع مرور أكثر من خمس سنوات على السيطرة التركية والفصائل الموالية لها، لم تظهر أي مؤشرات حقيقية على إمكانية استعادة الاستقرار أو عودة اللاجئين والنازحين.
ويقول خبراء إن الوضع الحالي يزيد من فرص تحول مناطق نبع السلام إلى مناطق هجرة دائمة، حيث يغادر الشباب وذوي الخبرات العملية والمهنية، ما يترك خلفهم مجتمعاً يعاني من نقص الكفاءات وانكماش الاقتصاد المحلي.
منطقة نبع السلام تشمل ريفي رأس العين وتل أبيض شمال شرق سوريا، وقد شهدت سيطرة تركية وفصائل موالية لها منذ أكتوبر 2019 عقب العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا بهدف السيطرة على الحدود السورية التركية، ويقدر عدد سكان المنطقة سابقاً بمئات الآلاف، ويعتمد الكثير منهم على الزراعة والتجارة المحلية كمصدر رئيسي للعيش.
لكن مع سيطرة الفصائل الجديدة، تدهورت الخدمات الأساسية بشكل كبير، وشهدت المنطقة ارتفاعاً في الأسعار وتضخماً مستمراً للأجور، فضلاً عن ضعف الأمن وانتشار السلاح بشكل عشوائي. وتعاني المؤسسات الحكومية المحلية من تفكك واضح، وهو ما انعكس سلباً على القدرة على تقديم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية مستدامة.
ويشير المراقبون إلى أن هذه الأوضاع تجعل من المناطق التي كانت مركزاً حضرياً هاماً سابقاً، بيئة طاردة للسكان، وخاصة الشباب الذين يشكلون ركيزة النمو الاقتصادي والاجتماعي، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية ويضع المنطقة أمام سيناريوهات مظلمة تستدعي تدخلات عاجلة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لإعادة الاستقرار وضمان حد أدنى من الحقوق الأساسية لسكانها.











